٠٢‏/٠٤‏/٢٠١١

في عام 1936 جرت الانتخابات النيابية في ظل الانتداب الفرنسي ، ووقف الفرنسيون على الحياد ، فكانت انتخابات نزيهة فاز بها نواب مشهود لهم بالنزاهة و الوطنية . تم انتخاب فارس الخوري رئيسا لمجلس النواب ، وهو في الثالثة والستين من عمره وكان من أكثر رجال الكتلة "واقعية" في التعاطي السياسي. رئيس مجلس النواب : فارس الخوري تولى امانة سر مجلس النواب السيد ناظم القدسي النائب عن حلب ، والعائد حديثا للوطن بعدما درس الحقوق في الجامعة الامريكية ببيروت . أمين سر المجلس : الدكتور ناظم القدسي تعينت الوزارة من جميل مردم بيك رئيسا للوزراء و هو الرجل المشهور بدهائه ، و تعين سعد الله الجابري وزيرا للداخلية والخارجية ،و عبد الرحمن كيالي وزيرا للعدلية والمعارف ، وشكري القوتلي وزيرا للداخلية والدفاع . رئيس الوزراء : جميل مردم بك وكان من اول اعمال المجلس اصدار العفو العام عن المبعدين الذي عاد بموجبه سلطان باشا الاطرش والحاج فاتح مرعشي والدكتور عبد الرحمن الشهبندر وغيرهم من الوطنيين الى ارض الوطن . سنستعرض البعض من محاضر جلسات المجلس النيابي لنرى مستوى الحياة النيابية ، والدور الذي كان يقوم به النواب في تلك الفترة . و سننقل ما ورد فيها حرفيا وفق محاضر جلساتها المنشورة في الجريدة الرسمية : جلسة 31/كانون الاول /1936 : موضوع تزوير الانتخابات - امين السر ناظم القدسي : سنتلو عليكم تقرير لجنة التحقيق بالطعون بتزوير نتائج انتخابات المجلس النيابي : لقد اجتمعت اللجنة لمدة عشرة ايام وهي مدة غير كافية لاتمام التحقيق ، وتطلب اللجنة امهالها المزيد من الوقت . -النائب فائز الخوري ( نقيب محامين دمشق و شقيق رئيس المجلس فارس الخوري ): سبق وطعن البعض في نتائج الانتخابات النيابية كما حصل عام 1928 واجرينا التحقيق ، واضطررنا اخيرا للتصديق على النتائج الانتخابية ، فلقد رأى المجلس انه من الحكمة التصديق ، فالتوسع بالتحقيق لا يعطي نتيجة ، والاحزاب التي تنجح اكثريتها لا تفسخ الانتخابات التي ينجح فيها الاقلية من معارضيها ، واقترح ان تبت اللجنة بالطعون اليوم دون تأخير . -الشيخ سعيد العرفي نائب دير الزور : ان اللجنة قد اخذت على عاتقها ان تجعل هذا المجلس مبنيا على على أساس صحيح ، والنتائج تتبع المقدمات فان كانت المقدمة فاسدة فالنتيجة فاسدة ، واقترح امهال اللجنة . -رئيس المجلس : اطرح تقرير اللجنة على التصويت فمن يوافق عليه يشير برفع اليد.. فرفعت الايدي . النائب حكمت الحراكي -السيد حكمت بيك الحراكي نائب معرة النعمان : لا يجوز التصويت برفع الايدي بل يجب تلاوة الاسماء . -رئيس المجلس : يكون التصويت برفع الايدي ، او بالقيام وقوفا ، او بالتصويت العلني بقراءة اسم كل نائب وسماع موافقته او عدمها ، و ادعو امين السر لقراءة اسماء السادة النواب ويجيب كل نائب بموافق او غير موافق . و هنا تلا امين السر الاسماء واجابوا كلهم بكلمة موافق ، عدا نائب واحد . موضوع فساد موظفي المصرف الزراعي تلي تقرير موقع من اربعين نائبا جاء فيه : ان المصرف الزراعي الذي تشكل باموال المزارعين لتسهيل مصالحهم الزراعية قد اصبح بما يجبيه من فوائد باهظة مصرفا استثماريا لا يهمه الا الكسب و تأمين الاكراميات لموظفيه فاذا داوم الصرف على هذا السلوك انتقلت الثروة الزراعية من ابناء الامة الى المصرف فيرجى انزال الفائدة الى ادنى حد ممكن . رئيس المجلس : يحال الى الحكومة للنظر فيه . موضوع البت بشكاوي المواطنين امين السر : يوجد عدة مضبطات ومعاريض موقعة من مواطنين مختلفين بطلبات مختلفة فهل نتلوها . - رئيس الوزراء جميل مردم بيك : لا حاجة لتلاوة هذه المضابط ويكتفى باحالتها للوزارة المختصة ، فاذا كان المجلس سيستمع لكل طلب او عريضة ستجدون انفسكم امام طغيان من الاستدعاءات . - رئيس المجلس فارس الخوري : في الدستور مادة تنص على انه يحق للسوريين ان يقدموا للسلطات والمجلس النيابي العرائض المتعلقة بامورهم الشخصية او العامة . النائب نوري الفتيح - السيد نوري الفتيح نائب دير الزور : اقترح ان تتشكل في المجلس لجنة الاستدعاءات فللمظلوم الحق ان يراجع هذه اللجنة التي تنظر في استدعاءه ثم تسأل الوزارة المختصة و تأخذ الجواب فان وجدت ان المشتكي على حق ، تعرض ذلك على المجلس . - رئيس المجلس : بعد التصويت تقرر ذلك . موضوع تولي الحكومة اصدار القوانين بدلا من مجلس النواب -رئيس المجلس: تقدمت الوزارة بمشروع يمنحها حق اصدار القوانين خلال عدم انعقاد دورة المجلس و لمدة ثلاثة اشهر ، وسنسمع تقرير اللجنة الدارسة لهذا المشروع . النائب المحامي فائز الخوري - السيد فائز الخوري يتلو تقرير اللجنة : ان الامم في دور الانشاء تحتاج الى العمل السريع الحازم والادارة الناجحة ، وهذا يبرر تخلي مجلس النواب استثنائيا عن حقوقه في اصدار القوانين وتفويض الحكومة بذلك لمدة محدودة قصيرة تبلغ ثلاثة اشهر . هذه الحكومة التي منحناها الثقة وبتنا نرجو الخير على يد رجالها ، وهم من اقدر الرجال حزما ووطنية و اننا نقترح قبول مشروع الحكومة . النائب سليمان المعصراني - السيد سليمان المعصراني نائب حمص : اننا نطلب ان تحدد لنا الحكومة الخطوط الكبرى لمشاريعها التي تنوي اصدار القوانين بها لكي نطمئن بعدما نعطيها ما تطلبه من تفويض . النائب : رشدي الكيخيا - السيد رشدي كيخيا نائبا عن حلب ( اسس فيما بعد مع ناظم القدسي حزب الشعب المناوئ للحزب الوطني وريث الكتلة الوطنية ) : اعتقد ان طلب الحكومة في محله لما يتمتع به رجالها من ثقة ومصداقية ، ونظرا للحالة الاستثنائية للبلد والتي تتطلب اصلاحا شاملا وعملا سريعا ولكن ارجو ان تقدر الحكومة هذه البادرة ولا تكون هذه الحالة الاستثنائية دستورا تمشي عليه الحكومة في الايام القادمة . -السيد منير العجلاني ( نائب دمشقي والمرشد العام لحركة الشباب الوطني وفرقة القمصان الحديدية وهو صهر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الزعيم الدمشقي المعارض للكتلة الوطنية ) : اننا امام مشروع نتنازل فيه عن سلطاننا و حقوقنا الى حكومة نثق بها ، و ان حق اصدار القوانين لا يمكن ان يمنح للحكومة بهذا الاطلاق ، لان هذا العمل انتحارا والاجدر بنا ان نعلن انحلال المجلس اذ لا فائدة منه . فاذا اردتم ان تمنحوها صلاحيات لتكن محددة و واضحة . -رئيس المجلس: لا تترددوا في اعطاء الحكومة حق اصدار القوانين لمدة ثلاثة اشهر فقط، و بعدها سيجتمع المجلس ونقر اعمالها او نفسخه . واذا كنا لا نريد ان نعطي الحكومة حق اصدار القوانين فالاولى بنا ان لا نعطيها الثقة . -السيد جميل مردم بيك رئيس الوزارة : ان الحكومة لم تتقدم اليكم بهذا المشروع حبا في شهوة الحكم ، انما تقدمت به للمصلحة العامة ، وبالنسبة لتحديد المشاريع التي ستصدر الحكومة بها القوانين فلا يمكن تجهيزها في بضعة ايام . -السيد سعيد العرفي نائب دير الزور : نطلب من الحكومة ان تكون قوانينها مستمدة من روح الشعب و ان لا تكون ذات ذيول واذناب . -السيد رشدي الكيخيا : لقد بحث النواب الكرام هذا الموضوع مليا ، واطلب ان يوضع اقتراح الحكومة على التصويت فاما ان يقبل او يرفض . وهنا تلى امين السر الاسماء فردا فردا ، فوافق عليه الجميع . ورفعت الجلسات الى ما بعد ثلاثة اشهر موعد الدورة الثانية . تقييم عمل الحكومة بعد مرور ثلاثة أشهر وعندما افتتحت الجلسة التالية . بادر السيد رشدي كتخدا نائب حلب قائلا : سادتي الوزراء لقد تقرر بالاجماع منحكم حق اصدار القوانين ، وقد مضت اربعة اشهر على ذلك دون ان نرى أي عمل او اصلاح يشعر الامة انها انتقلت الى عهد جديد ، و هاهي دوائر الدولة لا زالت تغص بالموظفين الذين لا يتورعون عن عرقلة اعمال الحكومة الوطنية . موضوع ملاحقة الموظفين الفاسدين النائب فخري البارودي -السيد فخري البارودي نائب دمشق : ان رئيس الوزارة كان قد وعد باحالة بعض الموظفين السابقين للمحاكم وانا ارجو منه ان يبر بوعده ، ويضرب بيد من حديد على ايدي الموظفين الذين يضعون العراقيل في سبيل تقدم هذه الامة . -السيد ابو الهدى الحسيبي نائب دمشق : لا تخلو وزارة من جماعة شاع سوء تصرفهم ، وهناك منهم من اشتهروا بسوء اخلاقهم حتى ضج منهم الناس ومن استعمال نفوذهم في استباحة المصونات . وقد اعطى مجلسنا الوزارة اوسع السلطات فهل استعملتها للتخلص من شر هؤلاء . -السيد وهبي العجيلي نائب الرقة : ما دامت الخزينة بحاجة ، والعامل وصاحب الشهادة بلا عمل ، والتجارة على شفا جرف ، والمزارع منهوك القوى ، والحدود مهددة ، مطموع بها ، وفوق ذلك لا زال الكثير من المعاول الهدامة متربعين على كراسي الوظائف يمتصون دماء الامة وينتقمون من ابنائها فماذا فعلت الحكومة . النائب عبد القادر رحمو الشهابي -السيد عبد القادر رحمو الشهابي نائب الباب : اطلب نقل قائمقام الباب المعروف بافعاله الكثيرة غير المرضية ، فقد حبس السيد عبدالله النجار خمسة ايام بشكل غير مشروع ، ولم نعهد في القانون ان القائمقام له صلاحية حبس الناس ، فلماذا المحاكم اذاً .... و ان الوطن السوري واحد ونقله الى مكان آخر مصيبة للامة ايضا ، لكن نقله اهون الشرين . الرئيس : يحال الطلب الى لجنة الداخلية . موضوع القضاء - نائب حلب السيد هرانت سلاحيان : ان موظفي العدلية من قضاة وغيرهم ، لا يوجد لهم وقت محدد لرؤية المحاكمات وقبول المراجعات ويحضر المواطنون ويستنظرون امام باب المحكمة لساعات ، والدعوى الصغيرة تمر عليها السنين دون بت . يجب أن تقدم المحكمة اسباب التأخير في حال حصل ، ويكون القاضي مسؤولا امام القانون عن سبب التأخير . - رئيس المجلس : يحال الى لجنة العدلية . مناقشة النواب لاداء الحكومة -السيد جميل مردم بيك رئيس الوزارة : نعرض عليكم مشروع الموازنة للاطلاع عليه ومناقشته . النائب الدكتور منير العجلاني -السيد منير العجلاني أثار في تقييمه لعمل الحكومة عدة مواضيع قائلا : بعد تدقيق المشروع الذي تقدمت به الحكومة اقول ان هذه الموازنة يا سادتي ليست موازنة دولة حديثة . فانكم تبحثون فيها عبثا عن الاموال التي اعتمدت للتجارة وللصناعة وللاعمال فلا تجدون شيئا، اما الزراعة فانها تنتحر . موضوع العدالة الضريبة فالضرائب لم تزل هي هي ، ودوائر الحكومة كما عهدناها ، مثل ذلك كمثل صاحب مطعم غيّر قائمة الطعام وبقي طعامه كما هو . مكافحة الفساد لقد كنا ننتظر تطهير الحكومة من الموظفين العاجزين فلم تفعل ، وقد قام احد الاحزاب في الخارج بجعل شعاره المكنسة ليكنس الوسخ من المؤسسات فليكن شعارنا ( كنس كل الاوساخ ) . اما الوظيفة والموظفون فهي في بلادنا كالمقاهي يدخلها من اراد، ولا ادري ما يمنع الحكومة من تسريح بعض الموظفين ، وهيئة الموظفين تشبه السمك اول ما يفسد فيه هو الرأس ، فراقب الرؤوس وارم بالفاسد الى الارض . موضوع التعليم اما انت يا سيدي وزير المعارف فلقد قلت انك تشتغل في وضع مناهج التعليم واقول لك اننا نحتاج الى العلم ، ولكننا بحاجة اكبر الى الاخلاق فلا يمكنك ان تعهد بالتعليم والتهذيب الى رجال لم يعرفوا بالتهذيب . موضوع الجفاف و حال الزراعة اما الزراعة فهي مقياس رقي الامم والفرق بين العصور القديمة والعصور الحديثة انه كانت هناك قديما سنوات سمان وسنوات عجاف. اما في العصر الحديث فقد استطاع الانسان تخزين المياه بعد حفر الابار وانشاء قنوات الري ، ويخيل الي اننا ما زلنا في العصر القديم لان السنوات العجاف لا تفارقنا . موضوع البطالة اما العمال فمن يتعهدهم ، ففي الدول المتقدمة وزارات مخصوصة لا شغل لها الا العناية بالعمال والعاطلين منهم وتلتمس لهم شغلا وتساعدهم بالمال وتصلح من نظام معيشتهم . موضوع فرض الضرائب اما الضرائب ، فلا يجوز للدولة ان تنتزع من فم الرجل لقمته المغموسة بالدم ، بل يجب عليها ان تترك ما يكفيه لمعيشته ثم تأخذ مما يزيد على حاجته . -رئيس الوزراء جميل مردم بك : ايها الاخوان انني اعرف ان الوقت محدود ، و لا يمكن ان نطلب من المجلس النيابي كل شيء ، وبالمقابل لا يمكن ان نطلب من الحكومة كل شيء . الامة وضعت ثقتها بكم ، وبدوركم وضعتم ثقتكم بنا ، لا اريد ان ادافع عن سياسة الحكومة ، ولا ان اطلب ثناءا على اعمالها ، ولكنني اريد ان يحكم على اعمالها بنزاهة ، لان النقد النزيه يصلح الامر . واريد ان اقول كلمة الى بعض اخواننا النواب : ان النيابة هي عبء ثقيل ، ومن واجب النائب ان يفكر بأن هدفه الصالح العام ، وليس تحقيق اغراضه الشخصية ، ولا يجوز للنواب استعمال نيابتهم في تحقيق اغراضهم الشخصية . شكايات كثيرة تصلنا وتنم عن بعض التدخلات الشخصية واقول ان الحكومة واقفة بالمرصاد لكل من يشذ عن القانون . فإني ارجو بعض اخواننا النواب ولا اقصد جميعهم ، رجاء حارا بأن يقوموا بواجبهم في خدمة المصلحة العامة حتى النهاية ، والسلام عليكم . المرجع : - محاضر جلسات مجلس النواب ، الجريدة الرسمية 1936 . المحامي علاء السيد – عكس السير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق