٠٣‏/٠٣‏/٢٠٠٩

أوبريت البعير العربي



محمدعبدالرحمن
هذه المرة ، ودوناً عن الحزيرانات الأربعين الماضية ، فإنّ البعير لم يكتف من موقعه الأزلي فوق التل بالتبول العكسي على رؤوس من هم تحت التل بل راح يغني (يرغو) بروح إجترارية سجعية على وقع موسيقى نافورة بوله الرّجعية أو (الركعيّة) : راكعين بقوة السلاح .. راكعين نحرر الحمى .. راكعين كما ركع الصباح من بعد ليلهْ مظلمهْ .... طمْ طم طم طم طم طم طم طمْ ... طمْ طم طَم طم طم طم طم طمْ . والطم هنا ليست من وحي المسلسل المصري (بوكي وطم طم) بقدر ماهي لازمة طمّية يورييّة قبل أن تكون موسيقية أبدية . وطـُم من طـَمّ وطـَمّ : دفنَ ، فتقول (جاء البول سيلاً فطـَمَّ الراعي والرّعية ، أي دفنهم وسواهم ) ... وكل شيء كثر حتى علا وغلب فقد (طـَمّ) من باب ردّ ، يقال : فوق كل طامة طامة ، ومنه سميت القيامة طامة .

وبالشامية الكبرى (شامل سوريا وفلسطين ولبنان والأردن ) عندما يقول أحدهم لأحدهم : روح طـُـم حالك ولا، فهو يقصد ( إدفن يا عار نفسك أحسن لك) ، وبالعراقية عندما يقال: طـُمّ خـريزة فالمراد بها لعبة أطفال شعبية موروثة ذهبت مثلاً إستهزائياً يتداوله الناس أثناء استخفافهم التصغيري بلعب الكبار كما هو حال هؤلاء اليوم في لعبتهم المفضوحة مع أمريكان المعاهدات السّرسرية على سرير السّياسة السّرسرلوغية ، أما القول العراقي المأثور : طبّـك طوب فمن الجائز أنه يفيد المعنى طمّـك طمي ، أي دفنك الطمي مثلما دفن المارينز الأمريكان الجنود العراقيين وهم أحياء في حرب بوش الأب عام واحد وتسعين وقبل ذلك مثلما فعلها (جنود الرب) بالجنود المصريين عندما دفنوهم وهم أحياء في سيناء عام سبعة وستين وبعد ذلك مثلما فعلها مارينز بوش الإبن عندما دفنوا الفلاحين العراقيين وهم أحياء تحت (طوب) بيوتهم في أكثر من مكان ، وكلمة (طوب) الأخيرة تعني (الطابوق اللبني المصنوع من معجون الطين المخلوط بالقش والمجفف بإشعة الشمس) وما دامت هي كذلك فهذا يعود بنا إلى البدء ، فنقول عندما يقول العراقي : طبّـك طوب فقد يريد بها (شدخَتكَ طابوقة) على رأسك فوقعت مطبوباً على وجهك طـَبّاً تماماً مثلما فعلها (أيضاً جنود الرب) بالمنتفضين من الفلسطينيين حين رأيناهم على شاشة التلفاز بأمهات أعيننا التي سيأكلها الدود عندما يطمّـنا طين القبر وهم يتناوبون على أطراف ورؤوس الشبان الفلسطينيين تكسيراً (بالطوب الصّوان الطبيعي) قبل أن يسحلونهم أكواماً مبعثرة من العظام المهشمة إلى زنازين الإعتقال .
2
بولة البعير طويلة ، خارقة ، حارقة ، حادة ، ومثلها طبقة صوته السوبرانية وهو يهدر : (بحبك ياحماااااااااااااااااااار ... بعزك ياحمار) ، والحمار الذي يريده البعير هنا غير الحمار الذي في ذهني ، إنه الحمار الذي أنا في ذهنه ، ولأنني أرتع في ذهن هذا الحمار فذلك يعني أنني المقصود بحب البعير ، أي أنّ البعير يعشقني في الحمار دون أن يعشق الحمار فيَّ ولو أراد ذلك لعشـقني فوراً بدون وساطة الحمار . وبكلام آخر : لو أنّ البعير أراد أن يبوح بحبه مباشرة لي لكان هدر : بحبك يا فلان .. بعزك يا فلان ، ولكن ولأنه غنى دوني للحمار فهذا يعني أن البعير لا يستطيع أن يحبني إلا عبر الحمار ، وهذه ليست من فنون الطباق أو الجناس ولا التورية أو التشبيه أو الإستعارة ، إنها من متون الجدلية الفلسفية التي تقول : أنا أفكر إذاً أنا موجود ، كأن تقول : الحمار يفكر عني إذاً أنا موجود في قلب البعير ، وفي رواية أخرى : في قولونه .
3
ما يزال البعير ينشد بحماسته القومية الهادرة : (صورا صورا صورا ... كلنا كدا عيزين صورا ... صورا للشعب العربي المطمور تحت خراب المعمورا ..... ، يا زمن طمْ صورنا طمْ .. صورنا طمْ يا زمن ..) ، هذه المرة فإن الطم من الطامة التي تعني القيامة ، القيامة التي تقوم على كل من يقوم أو يقول أو يلوح أو يصرح أو يهمس أو يحلم بالمقاومة ، فإن بدرت هذه الكبائر من أي مسلم فقد كفر وصار من المجوس قال الشيخ الجليل سفيه الدين بن إسرائيل وأضاف : حين يجنح عدوك للسلم فاجنح للسلم ، فإن لم يجنح للسلم فاجنح للسلم وإن جنح للحرب فاجنح للسلم فإن غزى دارك فابسط له جناح الذل سجادة سلم وتوكل على بيان جامعة السلم العربية أو فاقرأ عليه للمرة الترليون (مبادرة السلم الستراتيجي) فإن أوغل في العدوان فأوغل في السلم حتى إذا ما أوشك أن ينزع عنك سروالك فاستنجد بالسلم فإن تمادى فحسبك السلم قال وإن تماهى فملاذك السلم وإن أفصح عن غرضه فأعطه دبرالسلم وإن سدد صاروخه في دبر السلم فاصبر على ما أصاب سلمك واكتم ، إنّ مع العسر يسرا ، إنّ مع العسر يسرا ، إنّ مع العســ ـ ـ ـ ، قالها مرتين ونصف قبل أن يفطس على حين غرة.
4
أنّ بول البعير بعـراني لا شيعستاني أو سنستاني فإنه ينصبّ فوق الرؤوس محض علمانستاني ، أي إنه لايميز ولا يفاضل بين لحى المعممين الروافض ولحى المعممين النواصب ولا بين قرعات هؤلاء وقرعات المعولمين فكلهم سواسية تحت الرشاش، فإنما شـعار البعير الرئيسي (الدين لله والدش للجميع ) وشعاره الإحتياطي (كلنا أحفاد آدم وآدم جد موناليزارايس ونانسي عجرم حتى وإن كانت الثانية بالتأكيد من نسل حواء والأولى بالإستنساخ من عنزة جرباء) ولله في خلقه شؤون ، ومن هذه الشؤون ما تشيب له الولدان من فنون الإباحة العولمية على شاشات الفضائيات البعيرية أو اليعربية أو العبيرية أو البعرانية أو العربانية أو العبرانية (لا فرق) فكله معنى واحد والمعنى في مؤخرة البعير الفائز بلقب (ستار أكاديمية صناعة الموت التطبيعي بالإتجاه المنافس لإضاءات إيهود شطريط من مركز شاس للدراسات التلمودية بالعربي من دون نقطة نظام ورئصني يا شالوم على طم طم طم ) في حزيران القادم .
5
الخامسة عليكم ، قالها البعير بعد أن أفرغ إحليله مما يسد به رمق العطاشى ثم برك على التل وطفق يجتر وعينه على المطمومين ببوله أسفل التل حتى دهمه النعاس فنام ، وفي المنام لم ير الحلم العربي ... لم ير شيء ... لم يحلم بأي شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق