لاشك أن الكلمات التي تقال عن الانسان بعد رحيله ماهي إلا ترجمة أعماله في كلمات بعد أن تطوى صفحات أيامه.
وبعد الموت الحق يقول الناس أقوال ضمائرهم الحرة لا أقوال ألسنتهم, إذْ تنقطع العداوة بذهاب من كان عدواً, وتخلص معاني الصداقة بفقد الصديق, ويرتفع الحسد بموت المحسود, وتبطل المجاملة والنفاق الاجتماعي باختفاء من كانوا يجاملونه ويتمسحون بأعتابه كقطط سيامية, ومن هنا كان الموت أصدق وأتم مايعرّف الناس بالناس.
وكانت الكلمة بعده عن الميت خالصة مصفاة لايشوبها كذب الدنيا على إنسانها, ولاكذب الإنسان على دنياه, وهي الكلمة التي لاتقال إلا في النهاية, ومن أجل ذلك تجيء وفيها نهاية ماتضمر النفس للنفس, على حد تعبير الأديب الخالد مصطفى صادق الرافعي(انظر مجلة الرسالة العدد 202)
الكتابة على شواهد القبور من أقدم العادات الإنسانية ,ويكتبها أصحابها إما قبل وفاتهم, وإما تكتب بعد موتهم, ويعتقد البعض بأنه ينبغي على الانسان أن يكتب شاهدة قبره بنفسه ويختار العبارات التي تناسب شخصيته.
وصية المعري
كان رهين المحابس الثلاثة: المعري قد أوصى ان ينقش البيت التالي على شاهدة قبره:
هذا ما جناه أبي عليّ
وما جنيت على أحد!
فلم تحقق أية جهة وصيته, ولاندري اذا كان هذا البيت مكتوبا على الشاهدة فاقتلعها خصومه الذين حكموا عليه بالزندقة.. المهم فإن صحيفة (الثورة) قامت بتحقيق وصية المعري بعد مرور مئات السنين على وفاته , حيث كلفتُ وزميلي الصحافي الراحل حيدر علي, رحمه الله, بنقل لوحة رخامية تقاوم عوامل الطبيعة وعاديات الزمن, كتب عليها البيت الشعري الذي أشرنا إليه, وعلقت اللوحة الرخامية بجانب الضريح.
>وصية المجاهد فخري البارودي:
كان البارودي قد أوصى أن تكتب هذه الابيات على شاهدة قبره في مقبرة الباب الصغير بدمشق فنفذت وصيته:
قفوا أيها الزوار قربي هنيهة
وقولوا سلاما أيها الميت الحر
وطوفوا حيال القبر صحبي وفكروا
بموت أكيد ثم يتبعه حشر
تروا أن كأس الموت حق على الورى
وكل له يوم وإن ألّف العمر
>ماكتبه الشاعر محمد الماغوط
على ضريح زوجته:
هنا ترقد
آخر طفلة في التاريخ
الشاعرة الغالية
سنية صالح
>ماكتبه الشاعر نزار قباني على ضريح ابنه
أتوفيق كيف أصدق موت العصافير والأغنيات
وأن الجبين المسافر بين الكواكب مات
وأن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات
بأي اللغات سأبكي عليك?
وموتك ألغى جميع اللغات
>ماكُتب على ضريح نزار قباني
إن إلى ربك الرجعى
مثوى
فقيد الشعر العربي
نزار قباني
ماكتب على ضريح اللغوي يوسف الصيداوي
مرقد المرحوم
اللغوي العلامة الاستاذ
يوسف الصيداوي
صاحب كتاب الكفاف
ماكُتب على ضريح محمد مهدي الجواهري
لكن القصيدة التي استحوذت على الشاهدة حملت اسم (يادجلة الخير) ومنها نختار هذه الابيات التي نظمها الشاعر في براغ شتاء عام 1962:
حَيّيتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني يادجلة الخير, ياأمَّ البساتين
حييتُ سفحك ظمآنا ألوذ به
لوذَ الحمائم بين الماء والطين
يادجلة الخير يانبعاً أفارقهُ
على الكراهة بين الحين والحين
هنا بعيداً عن دجلة الخير يرقد
محمد مهدي الجواهري
شاعر العرب الأكبر
1899-1997م
وفي مقبرة السيدة زينب يكتب الشاعر الجواهري على شاهدة ضريح شقيقته هذه المقطوعة الشعرية التي نختار منها:
حبيبتي نبيهة
/نبيهة/إن الليالي ملعبه
ونحن فيها /طابة ومضربه
رهن الليالي كيف مادارت بنا
كعقرب /الساعة/ رهن الذبذبة
حبيبتي /نبيهة/ كيف ذوت
معجلة بسمتك المحببة?
حبيبتي/نبيهة/ سنلتقي
عما قليل عند هذي المتربه
أخوك محمد مهدي الجواهري
هاني الخير -- صحيفة الثورة السورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق