٢٥‏/٠١‏/٢٠١٠

التعايش الديني في سوريا

مسيحي اسمه المهندس باسل قس نصر الله

مستشار مفتي الجمهورية السورية يتحدث:

من الطبيعي بحكم عملي مع مفتي الجمهورية العربية السورية، أن أتواجد - أكثر من غيري - في الجوامع والمساجد، فأي مستشار لشخص ما، سيكون - في أغلب الأحيان - في الأماكن التي يتواجد بها هذا الشخص، سياسياً كان أم اقتصادياً أو دينياً أو غيره من الصفات.

وقد لا يلعب الدين أو الانتماء الطائفي، أهمية في اختيار مستشارٌ لسياسي معين أو اقتصادي أو حتى رياضي أو فني، إلا أن القارئ سيفكر (وهو معذور) أن مستشاراً لمفتٍ مسلم، لا بد أن يكون مسلماً، ولكنه سيفاجأ عندما أقول إنني مسيحي.

لا شك أن المفتي العام لن يستشيرني في قضايا فقهية إسلامية - وهو يعرف ما يعرف ومعه من علماء الدين الإسلامي من تلمع أسماءها، إلا أنه عندما يطرح نفسه كمفت لكل المواطنين في سورية (وليس المسلمين) علينا أن نفهم لمَ يوجد مسيحي في الصف الأول مع المفتي.

في العام الفائت وخلال مؤتمر في فيينا حضرته مع سماحة المفتي، قال لي السيد عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، بلهجته المصرية، وذلك بعد أن علم أنني مسيحي “دَه إنتو في سورية، إزاي تفكروا”، وتأكدت حينها أن الرسالة السورية في العيش المشترك بين مختلف الطوائف والتيارات الدينية قد وصلت واضحة، وخاصة، كان ذلك خلال مأدبة الغداء التي أقيمت على شرف الوفود المشاركة، وكنت على طاولة مستديرة مع كل من سفراء ألمانيا وفرنسا ومالطا لدى النمسا وآخرين.

كان المؤتمر يضم كل وزراء خارجية البلدان الأوروبية والعربية ضمن مؤتمر “أوروبا والعرب - شركاء في الحوار” بتنظيم من وزارة خارجية النمسا والجامعة العربية، يضاف لوزراء الخارجية عدد قليل جداً من المدعوين الخاصين لحضور المؤتمر وإلقاء كلمة في الجلسة الختامية “لإغناء المؤتمر”، وسماحة مفتي سورية كان الأكثر أهمية وذلك من خلال الاهتمام الزائد من قبل وزارة الخارجية النمساوية به.

أعود إلى مأدبة الغداء، حيث تم التعارف، وذلك بعد أن قرأنا أسماء وصفات الأشخاص الجالسين بجانب كل واحد منا، بادرني سفير مالطا قائلاً: أنه يعرف اللغة العربية ولكنه لم يستطع سوى بعد القراءة (باللغة الأجنبية) سوى فهم اسمي الأول وليس اسم العائلة، فشرحت له باللغة الفرنسية ما معني اسم عائلتي، وعندما قلت له أن القسم الأول منه هو “قس” ويعني كاهن، اندهش السفراء وقال لي سفير فرنسا: “ولكن ألستَ مستشاراً لمفتي سورية، وهو مسلم، فهل كنت مسيحياً في السابق؟” فأجبته: “ولكنني سيدي السفير، أنا مسيحي” فصمت الجميع مندهشين، وبدأنا نقاشاً تحول إلى عرض مبسط للعيش المشترك في سورية، وقلت لهم: “سادتي تتكلمون وتثنون المديح على دول سمحت بأداء بعض الشعائر الدينية على أراضيها، وتنسبون إلى بلدي (عن طريق الإعلام) كل الموبقات، بدءاً من الإرهاب إلى ما لا يخطر على بال… في بلدي أيها السادة لسنا بحاجة إلى موافقة رئيس الجمهورية حتى نرمم - مجرد الترميم - كنائسنا، وفي بلدي لا تُمنع أصوات أجراس الكنائس، ولا يقوم نائب الملك بدعوة رؤساء الطوائف للحضور إليه لمعايدتهم. في بلدي سورية، يكون ترخيص بناء كنيسة منوطاً بالجهة الإدارية التي تمنح ترخيص أي بناء ما، وتكون الكهرباء والماء مجانيتين أسوة بالمساجد والمعابد اليهودية حتى، وخلال تنظيم بقعة عمرانية ما، يلحظ المخططون مكاناً لبناء معابد (مساجد وكنائس)، وفي بلدي يتسابق رجال الدين المسيحي لمعايدة إخوتهم المسلمين، الذين يبادروهم بمثلها خلال الأعياد المسيحية، بل أن رئيسنا يتوجه بنفسه إلى كنائسنا وأديرتنا ليعيدنا”، وأخرجت الكومبيوتر المحمول وأريتهم صورة رئيسي بشار الأسد محاطاً بلفيف من رجال الدين الإسلامي والمسيحي ومختلف التيارات والطوائف وذلك في إحدى الأديرة، وقلت لهم “سادتي، إن هذا الشعب لا ينتج إرهاباً بل حباً. واندهش الجميع مما قلت ومن الصورة وقالوا لي “لماذا لم تنشروا الصورة؟ ولماذا لا يسلط الإعلام العالمي الضوء على هذه النماذج”. وهنا أحسست بضعفي وعدم مقدرتي على الإجابة.

منذ أيام، في يوم عيد الميلاد المجيد، حضر إلى مدينتي أحد اللوردات البريطانيين، وهو عضو في مجلس اللوردات البريطاني، يرافقه سفير سورية في بريطانيا، وكان اللقاء عند الشيخ أحمد حسون مفتي عام سورية، وسبقته قبل أسبوعين سفيرة الدانمرك في سورية، والتي قالت لسماحة المفتي، أن وجود مستشار مسيحي هو أكبر دحض لمقولة الاضطهاد الديني.

أعود إلى اللورد البريطاني الذي حضر خطبة الجمعة المصادف في يوم عيد الميلاد المجيد، لقد سمع من سماحة المفتي العام في خطبته بجامع الروضة في حلب، قصة ولادة السيد المسيح، كما نرويها في كنائسنا، فالتفت وسألني هل كان المترجم ينقل له الخطبة بشكل صحيح، لأنه لم يصدق أذنيه. كما سألني أليس اليوم هو عيد الميلاد وأنا موجود معه في مسجد بدلاً من وجودي في كنيسة.

نعم سيدي اللورد، هذه سورية وهذا منهج رئيس بلادي وهذا فكر سماحة المفتي العام، وهذا هو الشعب السوري، فنحن لا نتعامل ونقسم بعضنا البعض إلى طوائف، بل إلى مواطنين، فلا تستغرب وجودي كمستشار لمفتي سورية وأن اقضي أنا المسيحي يوم عيد الميلاد في حضور صلاة الجمعة وخطبتها. الله اشهد إني بلغت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق