٢٨‏/٠٤‏/٢٠٠٨

الأسد .. حين ضحك على بوش وأولمرت

الأسد .. حين ضحك على بوش وأولمرت



أولمرت يبدو عاجزا أمام الأسد

التطورات المتسارعة على المسار السوري الإسرائيلي في الأيام الأخيرة لم تكن بأي حال من الأحوال تعبيرا عن السلام بقدر ما كانت مناورة سياسية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، فالعودة للتلويح بالانسحاب من الجولان ما هو إلا طعم حاول بوش وأولمرت استدراج الرئيس السوري بشار الأسد إليه على أمل التغطية على مغامراتهما العسكرية الجديدة من ناحية والإيقاع بين دمشق وأقرب حلفائها إيران وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية من ناحية أخرى، إلا أن المفاجأة أن الأسد كان من الذكاء بمكان لدرجة أنه لم يفشل هذا المخطط الشيطاني فقط وإنما خرج أيضا منتصرا ومتوجا بلقب " رجل السلام ".

محيط - جهان مصطفى

صحيح أن هناك شكوكا لدى البعض بأن هناك محادثات سرية تجري بين دمشق وتل أبيب بشأن الجولان السوري المحتل ، إلا أن الحقيقة التي باتت مؤكدة لدى صانع القرار السوري هى أنه لاأمل في تحقيق أي سلام في ظل إدارة بوش وبالتالي فإنه لاجدوى من المحادثات مع إسرائيل سواء كانت سرية أو علنية ، فواشنطن لاتوجد لديها رغبة حقيقية في إحلال السلام بالشرق الأوسط بالنظر إلى أن هذه الورقة مازالت حسب اعتقادها هى السيف الذي تسلطه على رقبة العرب من آن لآخر لابتزازهم في هذا الموضوع أو ذاك ، بالإضافة إلى أن عقيدة المحافظين الجدد في البيت الأبيض تستند لاسترتيجية الحروب الوقائية والاستباقية وليس للمفاوضات لتحقيق أهدافها الامبريالية.

ولعل التهديدات والتحركات العسكرية التي طفت على السطح في الأسابيع الأخيرة تعكس الحقيقة السابقة ، فبعد التقارير التي خرجت من داخل الولايات المتحدة حول شن حرب ضد إيران قبل انتهاء ولاية بوش وقيام البنتاجون بإرسال المدمرة كول بالقرب من السواحل اللبنانية ، أجرت إسرائيل في الأسبوع الأول من إبريل مناورات عسكرية اعتبرت الأكبر من نوعها ، كما ظهرت في 22 إبريل اتهامات أمريكية لسوريا حول إقامتها برنامجا نوويا سريا بالتعاون مع كوريا الشمالية وهى مزاعم شبيهة بتلك التي روجتها إدارة بوش قبل غزو العراق .

وبالنظر إلى ما قد ينتج عن تلك التحركات من إجراءات مضادة في محور "المتشددين" ، سارعت واشنطن وإسرائيل للتغطية على الأهداف الخفية للتحركات المشبوهة السابقة عبر التلويح بالسلام مجددا ، حيث كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لصحيفة "يديعوت أحرونوت الإسرائيلية" في 18 إبريل عن وجود شكل من الاتصالات بين كل من دمشق وتل أبيب وعن تبادل للرسائل لمعرفة إمكانية توقيع اتفاقية سلام مستقبلية بين البلدين ، قائلا :"نعلم ما نريد منهم، وأعلم بالكامل ما يريدونه منا" ، وردا على سؤال عن الانسحاب من الجولان ، قال إنه يعمل على القيام بتحرك مهم من أجل السلام مع سوريا ،

ذكاء منقطع النظير

التصريحات المريبة السابقة ، تعاملت معها القيادة السياسية في سوريا بحذر بالغ وبذكاء منقطع النظير ، فهى أدركت سريعا أن التلويح بالسلام يعتبر بمثابة فخ أرادت إسرائيل ومعها أمريكا نصبه لسوريا فإن رضخت وقبلت بالتنازلات المطلوبة منها فإن هذا يخدم مخطط أمريكا وإسرائيل لضرب إيران عبر تحييد دمشق وبالتالي حليفها في لبنان حزب الله أو على الأقل إحداث وقيعة بين دمشق وحلفائها ، وإن رفضت تكون بذلك أمام العالم غير راغبة بالسلام وما يجلبه هذا عليها من زيادة عزلتها الدولية من ناحية وتبرير أي عمل عسكري قد تقدم عليه إسرائيل سواء كان ضدها أوضد حزب الله وإيران من ناحية أخرى.

ولذا سارع الأسد إلى تأكيد رغبته هو الآخر بالسلام وعلى طريقته أيضا ، حيث كشف خلال تصريحات أدلى بها لصحيفة "الوطن" القطرية في 24 إبريل عن تلقيه عرضاً للسلام مع إسرائيل عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان يقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من مرتفعات الجولان، مقابل توقيع اتفاق سلام بين كل من دمشق وتل أبيب ، قائلا :" الوساطات بين دمشق وتل أبيب تكثفت بشكل أساسي بعد العدوان على لبنان في صيف 2006، وبعد انتصار المقاومة، ولكن دخول تركيا على الخط منذ العام الماضي، وبالتحديد في شهر إبريل 2007، أثمر تفاصيل إيجابية جديدة".

وفي تصريحات هادئة ، وضع الأسد شروطا لاستئناف المفاوضات معروف سلفا أن إسرائيل سترفضها وبالتالي يضمن عدم إثارة غضب حلفائه ، ومنها نفي وجود أية مفاوضات سرية مع إسرائيل وتأكيد أن المفاوضات ستكون معلنة إن حصلت ولن تكون مباشرة بل عبر وساطة تركية ، أي أنه رمى الكرة في ملعب إسرائيل التي ترفض بشدة تدخل أي طرف إسلامي بفعالية في المفاوضات بينها وبين العرب ، بجانب أن الوساطة التركية في الماضي لم تسفر عن تحقيق أي اختراق يذكر في هذا الشأن.

رجل سلام

تلك السياسة الحكيمة جاء مردودها الإيجابي سريعا وبطريقة شكلت صفعة على وجه بوش وأولمرت ، فقد خرج الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بعد لقائه مع الأسد بدمشق في 18 إبريل وهو مقتنع بأن الرئيس السوري حريص جدا على إحلال السلام وأن واشنطن وتل أبيب هما من يعرقلان تحقيق مثل هذا الأمر ، حيث كشفت صحيفة هآرتس الإسرئيلية أن ما نقله كارتر ومرافقوه للإسرائيليين من انطباعات ومعلومات عن الأسد يختلف عما هو رائج عنه في الغرب، فالأسد جدي ومدرك للأمور ومطلع على تفاصيل المفاوضات التي أجراها والده مع رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقين ، مشيرة إلى أن كارتر اقتنع بأن إسرائيل هى من ترفض السلام ، بينما ظهر الأسد أمام كارتر والعالم في صورة رجل معتدل محب للسلام وفي الوقت ذاته لم يتنازل عن أي من ثوابته.



الأسد أقنع كارتر بوجهة نظره

وفي السياق ذاته، علق فولكر بيرتيس، مدير مؤسسة العلوم والسياسة في برلين ، على التطورات السابقة ، قائلا :" إنه لا بديل عن الحوار الأوروبي مع دمشق فمن شأن قيام سلام راسخ أن يتوافق مع مصالحنا ومع مصالح أصدقائنا في المنطقة، وبطبيعة الحال مع قيمنا أيضًا . تحقيق السلام في الشرق الأوسط يعني ضمان المصالح المشروعة لكل الأطراف المعنية في نهاية الأمر، ما يعني استعادة منطقة الجولان المحتلة منذ عام 1967
. لا يمكن تحقيق اتفاق سلامٍ شاملٍ بين إسرائيل وجيرانها منفردين لأنه لا يمكن الاستغناء عن سوريا بسبب قدرتها الكبيرة على تشويش وإعاقة أية عملية سلمية لاتشملها".

وفي دحض لادعاءات إسرائيل وأمريكا حول دعمه للإرهاب ، وصف بيرتيس الرئيس السوري بأنه يبدو كرجل سلام وعزا هذا إلى أنه يضع التحديث الاقتصادي على رأس سلم أولوياته الأمر الذي يدفعه إلى الإهتمام بإنهاء الصراع مع إسرائيل ، بجانب الفوائد التي ستجنيها سوريا في حال إحلال السلام ، قائلا :" من شأن استقرار أوضاع المنطقة أن يستقطب مزيداً من المستثمرين، وأن يسهل اندماج سوريا في الاقتصاد العالمي ، علاوة على ذلك من شأن السلام بين سوريا وإسرائيل أن يجعل من دمشق شريكًا مقبولاً لدى الغرب وأن يوفق بين السياسة السورية وبين المملكة العربية السعودية ومصر. لكن وبالدرجة الأولى، من شأن السلام أن يعيد مناطق الجولان المحتلة إلى سوريا، الأمر الذي سيعزز بدوره شعبية الرئيس السوري على الصعيد الداخلي وبالإضافة إلى ذلك هناك جانب شخصي جدًا، لكنه يتضمن بعدا سياسيا هاما، حيث سيكون بإمكان بشار الأسد أن يستعيد سلمياً ما فقده والده حافظ الأسد خلال الحرب في عام 1967 " ، وبالنظر لكل الفوائد السابقة التي ستعود على سوريا ، شكك بيرتيس في نوايا إسرائيل بشأن السلام .

واتساقا مع ما ذكره فولكر بيرتيس ، أكد الون ليئيل المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ورئيس جمعية السلام بين سوريا وإسرائيل أنه طالما دعا الرئيس بشار الأسد إسرائيل إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومناقشة السلام والشعب السوري يدعم رئيسه في سعيه للسلام ولكن للأسف لم تجب الادارة الأمريكية ولا الحكومة الإسرائيلية على نداءات الأسد للسلام.

واستطرد يقول :" خلال محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا في التسعينات، برزت مواضيع السيادة السورية على مرتفعات الجولان، والسيادة الاسرائيلية على الموارد المائية في المنطقة، كمشكلات رئيسية أعاقت تقدم المفاوضات، إلا أن مفاوضات غير رسمية في سويسرا بين عامي 2004 و2006 خلصت إلى حلول جذرية ستمكن سوريا من بسط كامل سيادتها على مرتفعات الجولان باستثناء جزء صغير يخضع لسلطة دولية وبهذه الطريقة، ستكون سوريا قد حظيت بمطلبها فيما يتعلق ببسط سيادتها على الجولان، وستحظى إسرائيل بمطلبها فيما يتعلق بسيادتها على منابع المياه، وستضمن سوريا عدم التدخل بمجرى المياه الذي يصب في بحر الجليل (بحيرة طبريا) ، إلا أنه وللأسف الولايات المتحدة عرقلت تطبيق هذا الاتفاق . فمن الواضح أنها تقول لإسرائيل أن زمن السلام مع سوريا لم يحن بعد وهكذا، فإن إسرائيل تعرض حياة ومستقبل مواطنيها للخطر ".

وأضاف ليئيل :" منذ اليوم الأول لإنشاء إسرائيل، قالت القيادة الإسرائيلية إنها مستعدة لمناقشة السلام مع أي بلد عربي في أي مكان. والآن، هناك رئيس عربي يطالب بالسلام (بشار الأسد)، لكن إسرائيل تجابهه بالرفض. الغارة الإسرائيلية في السادس من سبتبمر الماضي على موقع شمال شرقي سوريا كانت حدثا مؤسفا. والمؤسف أكثر كان صمت الرأي العام العالمي بالإجمال والعالم العربي بالأخص. فالأحرى كان أن يقوم المجتمع الدولي والعالم العربي بإدانة إسرائيل على الغارة، والإشادة بالقيادة السورية لقدرتها على ضبط نفسها وعدم الرد على الهجوم. وبالنسبة للسوريين، فإن عدم ردهم على الغارة هو دليل كاف على رغبتهم بالسلام".

فضح نوايا إسرائيل

وبالإضافة إلى ما سبق ، خرجت من داخل إسرائيل ذاتها تصريحات تؤكد صحة الآراء السابقة وتفضح نوايا إسرائيل أمام العالم ، حيث نقلت صحيفة "معاريف" عن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز قوله في 26 إبريل إنه يعارض إبرام أي اتفاقية سلام مع سوريا تقوم على إعادة الجولان السوري المحتل ، قائلا :" إن الأسد يفضل لبنان والعلاقات مع حزب الله وإيران على الجولان ، وإذا لم يقطع السوريون صلاتهم بإيران ، من المحظور إعادة الجولان لهم . الانسحاب من الجولان يعني تسليمها للإيرانيين" ، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن أكثر من ثلثي الإسرائيليين يعارضون الانسحاب من الجولان مقابل اتفاقية سلام مع سوريا ، وقال 68 بالمئة ممن جرى استطلاع آرائهم إنهم يرفضون إعادة الجولان للسوريين ، بينما عبر 32 بالمائة عن موافقتهم على ذلك .

وعلى ضوء هذا ، تأكد الجميع أن إسرائيل ليس في نيتها البتة التخلي عن هضبة الجولان المحتلة ، فهذه الهضبة لها تاريخ في الأيديولوجيا الصهيونية، وتتمتـع بموقع استراتيجي عسكري بالغ الأهمية، ثم إنها تزود الدولة العبرية بربع احتياجاتها من المياه العذبة.



الأسد يرمي الكرة في ملعب بوش وأولمرت

ولاننسى أيضا أن التغيرات الإقليمية عقدت المشهد السياسي في المنطقة وأصبحت الملفات متداخلة وارتبطت العملية السلمية بين سوريا وإسرائيل بالظرف الإقليمي الموسوم بالصراع بين الولايات المتحدة وإيران ، فقبل سنوات كانت الشروط الإسرائيلية من سوريا مرتبطة بقضية الجولان وحدها ، لكن بعد ذلك اتسعت المطالب الإسرائيلية الأمريكية لتشمل المستوى الإقليمي ، وبات المطلوب من سوريا وقف دعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان، وإعادة النظر في علاقتها مع إيران، ناهيك عما هو مطلوب منها في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا فوقف الضغط الغربي وفك العزلة الدولية عنها والاتفاق على عدد من القضايا بما فيها المحكمة الدولية المخصصة للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، تعتبر جزءا من السلام مع إسرائيل.

إذن هناك حزمة كاملة من المطالب من كلا الجانبين تجعل تحقيق السلام أمرا بعيد المنال على الأقل في الأمد المنظور، وفي حال كهذا فإن أي تحريك للمسار السلمي مع إسرائيل سيترتب عليه التزامات في فلسطين ولبنان والعراق ما يعني موت السياسة السورية في المنطقة ، ولذا لجأ الأسد للأسلوب ذاته الذي طالما لجأ إليه بوش وأولمرت وهو أسلوب المراوغة ، فهو مع استئناف عملية السلام ولكن دون تقديم أية تنازلات أو المساومة على علاقاته مع حلفائه ، خاصة بعد أن تعززت قناعته بأهمية تلك العلاقات بفعل تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة، والهزيمة التي منيت بها إسرائيل في لبنان العام الماضي، وتقرير بيكر هاملتون الذي أوصى بالحوار مع دمشق، وما أعقبه من زيارات للمسئوليين الأمريكيين والأوروبيين لها.

ويمكن القول إن الرسالة كانت واضحة خلال محادثات الأسد مع أردوجان وكارتر وهى أن سوريا لن تضحي بالأوراق القوية التي تملكها مقابل وعود بسلام زائف فالعلاقات بين سوريا وإيران والمقاومة تأتي على رأس الأولويات وإعادة التفكير فيها يجب أن تكون من نتائج السلام مع إسرائيل وليس مقدمة له ، وهنا ضرب الرئيس السوري عصفورين بحجر واحد فهو ظهر كرجل سلام من ناحية ورمي الكرة في ملعب بوش وأولمرت من ناحية أخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق