١٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

ملخص الواقع الجنبلاطي

اعجبني بصراحة هالملخص
ابراهيم الأمين
لحظة للتأمل، حتى لا تقع الفأس بالرأس كما يقول المثل، ونعود الى اللعبة نفسها التي لا تنتهي في بلد مثل لبنان، إلا بأكبر قدر من الدماء والدمار والفوضى. وهذه اللحظة، تخص مواقف بعض الاطراف المحلية، وخصوصاً ما يقوم به وليد جنبلاط منذ مدة غير قصيرة.
يحق للرجل أن يتفاخر على بقية زملائه من الطبقة السياسية، بأنه مقامر لكن مضمون الحساب. ما يخسره لا يخرجه من اللعبة، وله الحق بفرصة ثانية وثالثة ورابعة حتى يتمكن من استعادة ما خسره. وليس مهماً من أين يكون التحصيل، لكن الأهم هو أنه يستعيد ما ضاع منه في هذه الرحلة أو تلك من رحلات ابن بطوطة اللبناني السياسية.
يقول وليد جنبلاط إنه بعد 7 أيار، شعر بأن في لبنان وفي خارج لبنان من يريد له أن يتولى مهمة مقاتلة الشيعة، وتولي مهمة إشغال حزب الله عن ملف المقاومة ضد إسرائيل، وإنه لمس الشعور نفسه عند الشيعة، فكان أن قرر الانسحاب والتموضع في مكان يقيه شر هذه المهمة. وهو استفاد من ملف الانتخابات كي لا يضيع ما بناه مع تيار «المستقبل» بوصفه ممثل السنة، واستعان بالملك السعودي حتى لا يخسر في حركته هذه ما كان قد حصل عليه في رحلته التي طالت بين عامي 2005 و2009.

طبعاً لا يهم جنبلاط ولا يهتم بأن يحسابه أحد على موقف أو كلام أو خلافه، وهو في هذه الحالة يهتم بالنظر الى النتائج المباشرة التي تعنيه في ما خص مصدر الحصانة الدائمة التي تعفيه من المساءلة والمحاسبة. وهنا لا يضيّع البوصلة: إن الدروز هم أصل الضمانة، وهم مصدر الحصانة. هو نفسه الموقف ذو الخلفية الطائفية والمذهبية التي تعلمها كل الآخرين من القوى السياسية اللبنانية، وكان أن وصل حزب الله الى هذه النتيجة المؤسفة في الخطاب الاخير لأمينه العام السيد حسن نصر الله عندما تحدث عن نتائج الانتخابات بين الناخبين الشيعة ثم توجه الى الجمهور الحاضر في المهرجان وقال لهم: أنتم ضمانة السلاح. لم يكن وليد جنبلاط أكثر سروراً من تلك اللحظة التي انضم فيها حزب الله الى نادي القوى المتحصّنة بوضعها الطائفي بحجة أن هذا هو واقع لبنان. وفي هذه اللحظة بالذات، يصبح حوار جنبلاط مع كل الآخرين وفي مقدمهم حزب الله سهلاً عليه، وقريباً من عقله، وموفراً عليه الحاجة الى البحث عن مواقع نفوذ وقوة خارج تركيبته الطائفية ودائرتها الجغرافية. لكن المشكلة هي عند الآخرين، عند من يصدق أن جنبلاط عدل في أصل موقفه من مستقبل هذا الكيان، أو أنه مهتم أصلاً بالعودة الى فكرة والده التاريخية التي تقول بأن حصانة الدروز وضمانتهم ومستقبلهم هي في أن يذوبوا في واحدة من أكثريتين: الأكثرية الإسلامية والأكثرية اللبنانية

الآن، يخشى جنبلاط ما يعرفه، لا عما يجري في لبنان فقط، بل في المنطقة وما يتصل بحسابات الكبار في الإقليم وفي العالم حول لبنان. وعندما قال إنه دعا سعد الحريري الى الاكتفاء بالحقيقة دون طلب العدالة في ما خص جريمة اغتيال والده، كان يقول له: إن المحكمة قد تتهم شقيقك بالجريمة فهل تطلب معاقبته؟ وفي هذه الحالة، كان جنبلاط يوافق على ما تسرّب على مدى 3 سنوات عن نية المحكمة الدولية اتهام حزب الله مباشرة أو مداورة بالتورط في جريمة اغتيال رفيق الحريري. ولأن جنبلاط يعرف أن قرارين خطيرين ولكن تافهين أنجبا 7 أيار، فإن مغامرة من هذا النوع سوف تنجب 70 إن لم يكن 700 أيار جديد. وهو لا يريد أن يُحمَّل، بما يمثل على المستوى الطائفي، مسؤولية أي دور في هذه الجريمة. وإذا كان يخشى فتنة سنية ـــــ شيعية جراء خطوة كهذه، فهو يريد أن يتجنّب تورّط الدروز في الأمر، ويريد أن يبقي تواصلهم مع أبناء ملتهم في سوريا، ولو تطلب الأمر منه أن يظل على شاشة «التلفزيون السوري» أياماً متواصلة يعتذر من الشعب السوري فرداً فرداً.
أما الأكثر خطورة، فهو المتصل بالحسابات الكبرى التي تخص أحلام إسرائيل وأميركا، سواء في ما خص الإعداد لضربة لإيران أو لسوريا أو لحزب الله، وهو في هذه الحالة، يقول لمن يرغب، من القريب الى البعيد، إنه إذا لم يتوفر دور البطولة، فهو مستقيل من أي دور ثانوي، فهو جرب كل الأدوار الأخرى، ولا يعتقد أن الجمهور يحتاج إليه الآن، ويفضل أن يكون في مقاعد المتفرجين أو حتى أن يكون في مقاعد المشاهدين من المنزل، وبالتالي، فإن جنبلاط يحتاج الى صياغة واضحة ومحددة لدوره في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يوفر له الحصانة، دون ان يكون مضطراً الى السؤال عن الآخرين، كل الآخرين.
وللتذكير فقط، عندما اختلى جنبلاط بعدد من المشايخ الدروز، لم ينطق مرة واحدة باسم لبنان. ربما هذا ما يفعله الآخرون من زعماء الطوائف. لكنه كان يقول ما يراه صائباً في لحظته. وإذا كان جنبلاط حراً في ما يفعل، فهل هناك ما يلزم الناس بما قرّره هو الآن من خطوات وبرامج؟

عن موقع التيار الوطني الحر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق