١٦‏/٠٤‏/٢٠٠٩

حب من نوع آخر


حب... بقلم : sad syrian
مساهمات القراء
كانت الستائر الخفيفة تتراقص يداعبها نسيم مسائي و صوت أم كلثوم ملأ جوانب الحارة يصدح به مذياع قديم في المقهى الممتليء و الكثير من الناس يتسوقون قبل أيام من العيد القادم على شرفة صغيرة جلس يرتشف قهوة ثقيلة

قرع على الباب ...
على الباب وقف أخوها مطأطأ ... بيده مغلف أبيض صغير جاء بلا موعد..!؟
جرح قديم أحسه يتفجر نازفا بعد سنوات ظن فيها الشفاء ؟؟!
و ذكريات موجعة عادت كأنها تحدث الآن...
" أرجوك طلقني " عبارة قالتها بكل إصرار !!؟
حاول أن يستوعب الموقف
" عفوا..ماذا قلت " قالها و أدار لها أذنه منصتا
" قلت لك أريد الطلاق " كررتها و أضافت
" ماذا ..الا تفهم العربي ؟؟" قالتها بتحد
" هل شربت شيئا ؟؟! ماذا أصابك ؟؟ " قالها مشككا في وعيها
" أرجوك...ليس وقت سخريتك الآن... و كما بدأنا أحباب دعنا ننهي علاقتنا بحب " قالتها بهدوء
" أي حب و أي أحباب ؟؟ ماذا تقولين ؟؟ هل أنا في كابوس أم أنا صاح ؟؟!" قالها عاجزا عن تصديق أذنيه

كان صعبا عليه كثيرا أن يتقبل الأمر
قبل خمس سنين أحبها
التقاها يوم أسعف صديقا ذات يوم بعد منتصف الليل إلى إحدى المشافي
كانت ممرضة....و كان محاسبا أمضى سنوات شبابه يعمل في إحدى دول الخليج
أحبها كما لم يحب غيرها...و أحبته
عشقها..و عشقته
لم ينتظرا كثيرا...قررا الزواج
و قبلت بترك عملها لتلحق به في إحدى مشافي المدينة التي يعمل بها..

و عاشا بالعسل
بدخله و راتبها اشتريا منزلا و أثثاه في بلدهما
و صبي و بنت أفرحا حياتهما..
سنوات خمس مضت منذ أن ودع زوجته للمرة الأخيرة..
بكل قسوة نظرت في عينيه بجرأة قل نظيرها
" للأسف....كأس و انكسر " قالتها منهية محاولات أخيرة منه للحفاظ على أسرة رآها تنهار
بحث لها عن أعذار و لم يجدها
أدهشته بالمبررات التي طرحتها... تلك الأسباب التي أحسها تخترعها اختراعا !!
و اعترف بكل ما اتهمته به ليس لصحته و لكن أملا في غفران من امرأة صعب عليه فراقها !!
مع وجود طفلين أصغرهما في عامه الثالث..كان مؤلما عليه تقبل الفكرة
كان قاسيا عليه ان يقبل بقرار من امرأة كان يظنها رقيقة
لطالما كانت في نظره فراشة هشة
لطالما استمتع بضعف كان يراه فيها
لطالما أسكره أن يضمها
لطالما أسعده أن يكون خادما بين يديها

كان صعبا عليه أن يقتنع بصورتها الجديدة
لطالما عرفها محبة حانية
لطالما أسمعته عبارات الإطراء و الحب

لم يفهم تغيرها معه و هجرها لفراشه لأسابيع ؟!
" ربما هي مرهقة من العمل " قالها في نفسه محاولا التماس عذر لها
و لم يفهم كثيرا قرارها المفاجيء بالعودة إلى البلد
لكنه وافقها بحماسة و هو الذي قضى تسع سنين بعيدا
و عندما أحس أن كل شيء يسير أفضل مما يشتهي
و عندما بدأ يستمتع بثمر تعب سنين..

الآن تقول له طلقني
لم يمض على عودتها اسبوعان بعد
و تقول طلقني ..؟!

" و ماذا عن الولدين ؟؟ " سألها بقلق
" سيبقيان معك..لا أستطيع تحمل مسؤليتهما !! " قالتها مثيرة غضبا و ألف سؤال في رأسه

ما الذي جرى لها ؟؟!
ماذا أخطأت بحقها؟!
حاول كثيرا أن يجد سببا...

جاء أمه تعبا ..
كانت ثيابه مجعدة ..
و شعرات قصيرة غطت وجهه.!
و رائحة التبغ المقززة فاحت منه ..!
" ماذا جرى لك يا بني ؟؟" قالتها أمه و دمعة ترقرت في عينيها ..
" تريد الطلاق...ماذا فعلت لها ؟؟؟ " قالها ممسكا برأسه بين يديه المرتجفتين ..
" ماذا.؟؟.يبدو أنها جنت " قالتها بدهشة و أضافت :
" دعك منها..يبدو أنها لا تستحقك "
"لا يهم..لن أفرض نفسي عليها...و لكنني أريد أن أعرف لماذا..هل هذا طلب كبير ؟؟"
" يا بني ..لا تتعب نفسك..و لا تحزن...سأزوجك خير منها "
" أمي أرجوك..هل انتهينا من الزواج الأول حتى تحدثيني عن الثاني ؟؟!!" قالها متأوها عاتبا
" ماذا ؟؟ تريدني أن أراك بهذه الحالة و أسكت...يجب أن تتزوج و تقهر قلبها كما قهرت قلبك "
" أمي ..أتيت إليك لتريحيني..أرجوك لا تزيدي همي " قالها ..ثم انتصب على قدميه ملوحا بالرحيل
" أرجوك اجلس..لن أزعجك....و لكن ماذا عن الأولاد "سؤال أطلق ثورته
" تخيلي..هل هناك أم تتخلى عن أولادها...تخيلي تريد تركهم لي..هكذا بكل سهولة ؟؟!! " قالها و ضرب كفا بكف
" اعذرني يا بني..لا أريد إغضابك أكثر...لكن يبدو أن لديها موال تريد أن تغنيه "
" ماذا ؟؟ موال ...ماذا تقصدين ؟ " سألها متوجسا
" إن بعض الظن إثم..لكن المرأة لا تتصرف هكذا إلا إذا كان هناك رجل آخر دخل على الخط " قنبلة ألقتها عليه فاتفض واقفا
" خافي ربك يا أمي...زوجتي مازالت على عصمتي..هل تتهميها بخيانتي ؟؟ ألم تعودي تعرفينها ؟؟ " قالها و استأذن من أم زادت همه و مخاوفه بدلا من أن تهدئه ؟!

في طرقات مبللة سار مطرقا رأسه ..
قادته قدماه إلى بيت صديق عزيز ..

" ماذا..؟ تريد الطلاق...!! هل تتكلم بجدية ؟؟!! "
صعب على الجميع تصديق الأمر
و الأصعب كان جهل الجميع بسبب قرارها القاسي
زوجات إخوته و أصدقائه زرنها
حاولن ثنيها عن قرارها
توسلن لها سائلات عن سبب..عن عذر
" أرجوكن..دعني و شأني...هذه حياتي و أنا حرة بها ... و لعلمكن...لن أبقى في هذه البلد..أنا مسافرة " خبر أجج فضول الجميع و غضبهم .
فشلت كل المحاولات ؟؟!!
" أرجوك..لبي لي هذا الطلب..بحق عشرتنا...لا ترغمني على الهروب...و مهما حصل فلا تقصر بحق ولدينا "
قالتها متوسلة
" ماذا..انت تريدين الآن توصيتي بولدي..هذان اللذان تتخلين عنهما بتفريط ؟" قالها باستغراب
جاهدت لإخفاء دموع حارة أغرقت مقلتيها
شهر مر
فشلت كل المحاولات
و التوسلات
و المناشدات
على باب مكتب المحامي ودعته مستعجلة بعد أن أنهيا توقيع أوراق المخالعة
كره النساء
و كفر بالحب
و انكب على عمله متناسيا حزنه و ألمه و متجاهلا أي امرأة
لكن مساءاته لم تخل من دموع خفية سالت من عينين تعبتين تتأملان ولدين بلا أم
كل ما عرفه عنها أنها سافرت لا يعلم إلى أين ؟
و خمس سنين مرت ..
و الآن يأتيه أخوها بلا ميعاد ؟!
" ماذا تريد " قالها بعبوس و برود
" أختي أعطتك عمرها " عبارة وقعت عليه كالصاعقة
أسرع قلبه مضطربا و قصفت ركبتاه ..
" ماذا ؟ كيف ؟ متى ؟ " أسئلة ألقاها تباعا بصوت مرتعش !
" غير مهم... المهم لدي لك أمانة..." عبارة أججت فضوله ؟
ناوله مغلف أبيض
" هذه تركتها لك " قالها أخوها بصوت متهدج ...استدار و انصرف
بأصابع مرتعشة
و جبهة تفصدت عرقا باردا
و قلب خفق بشدة
فتح المغلف ...
بداخله رسالة..
إنه خطها..
لا ينسى خطها أبدا ..
ارتخت ركبتاه..!
جلس على أقرب كرسي و بدأ يقرأ
"إن كنت تقرأ هذه الكلمات فهذا يعني أنني قد غادرت هذه الدنيا
حبيبي ...سامحني...
قبل عودتنا إلى بلدنا بأيام تعرفت عليه
لم يستأذني
بلا مقدمات استولى علي
رغم كل احتياطاتي اجتاحني
ملك علي نفسي
له ارتهنت روحي
و صارت حياتي له
و أيامي تلونت بلونه
صار صعبا علي قربك

لم أعد أفكر إلا به
و قررت الابتعاد عنك
و أثرت هجر أولادي

لم أكن خائفة منك..أعرف أنك كنت ستتفهمني
كنت خائفة عليك..
و خفت أكثر على أولادي و سمعتهم
أعرف كيف ستكون نظرة الناس إلي
و كيف سينظرون إليك و إلى الأولاد
قررت أن أجنبكم كل هذا و أبتعد
و عشت معه
له فقط
مع ظلمه و ألمه
مع قسوته و تسلطه

كنت أحسه يحرق شبابي
يستنفذ دمي
يأكل أيامي
حاولت كثيرا أن أهرب منه
أن أتحرر من قيده

ما أحببت أن أعذبك معي
و ما استطعت أن اورط أولادي
خوفي عليك كان أكبر من حبي لك
و حبي لأولادي كان أكبر من شوقي إليهم

كان وحشا تملكني
بدأ الأمر بوخزة إبرة في رأس أصبعي
كانت ملوثة بدم مريض
سامحني حبيبي
و إلى لقاء..حيث لا ألم..لا مرض...
لا إيدز ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق