٠٩‏/٠٥‏/٢٠٠٩

بعد عاء اليونس دعاء البسطاطي ترسم الأحلام بقدميها

دعاء ترسم الأحلام بقدميها


لو أدركت عائلة دعاء عبد الرحمن البسطاطي يوم ولادتها في التاسع من أيار عام 1990 أن هذه الفتاة ستغدو نموذجاً يحتذي به أي إنسان، لما ارتسمت على وجوههم علامات الأسى والحزن في ذلك اليوم.

إذ شاءت الأقدار أن ترى دعاء النور بجسد غير مكتمل الأعضاء، حيث ولدت بلا يدين.

تلقت والدتها الخبر "بكثير من الحزن"، ولم تستطع تقبل كون ابنتها ستحيا بلا يدين كما أخبرتني شقيقتها غصون، دون أن تعلم أن هذه الفتاة ستصبح يوماً من الأيام فنانة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وكبرت الطفلة الأصغر بين سبع أشقاء وثلاث شقيقات، وبدأت علامات النبوغ والموهبة تظهر بعد إتمامها المرحلة الابتدائية، لا سيما حبها للرسم، فطوعت قدميها ليعبدا لها طريقاً قررت السير فيه رغم معرفتها المسبقة بالصعوبات التي ستواجهها.

وعند دخولها المرحلة الإعدادية، وبدعم أهلها واهتمامهم إضافة للموهبة والإبداع والإصرار بداخلها، تهيأت الظروف لخلق فنانة كانت محط أنظار الجميع في مركز أدهم اسماعيل الذي انتسبت إليه، فغدت أعمالها الفنية تحفاً ليس في سوريا فحسب، بل في كل مكان سافرت إليه دعاء، من لبنان حيث كرمها الرئيس السابق إميل لحود والأمير خالد الفيصل إلى أوكرانيا إلى قطر وأخيراً في بريطانيا* ضمن المشروع المشترك بين سورية والأردن والمجلس الثقافي البريطاني المسمى "Together".

بعد حصولها على الشهادة الثانوية كانت نقطة التحول في حياتها، حيث اتخذت قرارها بدخول كلية الفنون الجميلة بدمشق لتكسر بذلك التقليد الذي فرض عليها خلال مراحل دراستها السابقة، إذ أمضت جميع المراحل الدراسية في مدرسة الأمل للمعوقين، وبدخولها الجامعة استطاعت أن تبرهن أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سبباً ليعزل الإنسان نفسه.

استطاعت دعاء أن تحظى بمحبة الجميع في الكلية بما فيهم أساتذتها ورفاقها، وقالت لي إحدى صديقاتها "أحببت دعاء بقدر احترامي لموهبتها وإصرارها الدائم على العطاء، حتى أن بعض الأساتذة يقولون للطلبة إن ما ترسمه دعاء بقدميها أفضل بكثير مما يفعله البعض بأيديهم".

ولفتني بين أعمالها منحوتة لسقراط استغرقت منها حوالي 4 ساعات، إذ أنها تميزت في الكلية بقدراتها على تطويع الطين لتصنع منه نماذج تحتاج إلى دقة كبيرة في العمل وحدة في البصر وخاصة أنها تجلس على كرسي عادي ما يجعل المسافة ليست بالقريبة بينها وبين المنحوتة.

وعن أعمالها قالت لي إحدى المدرسات في الكلية "تتميز دعاء بمادة النحت مع أنها من أصعب المواد، فالعمل بالطين ليس سهلاً وخاصة أنه يحتاج كثيرا من الجهد أثناء عجنه ليصبح جاهزا للبدء بالعمل، ولكن دعاء استطاعت التغلب على ذلك، رغم أنها ما تزال في السنة الدراسية الأولى وهذه المرة الأولي التي تعمل فيها بالطين".

انتظرت طوال هذا اليوم لأقابل الجندي المجهول في حياة دعاء، والذي وصفتْهُ هي بالقول "أحسها كأمي فهي ربتني"، وأخيراً جاءت شقيقتها غصون لتجمع أغراض شقيقتها وتلبسها ملابسها من أجل العودة للمنزل، دون كلل أو ملل من هذا المشوار اليومي الذي اعتادت عليه منذ يوم ولادة دعاء وإلى الآن، فهي رفيقتها في كل مكان ذهبت إليه وسندها الذي اتكأت عليه خلال مشوارها.

وقالت غصون "ظهرت موهبة دعاء وهي في السادسة من العمر، إذ كنت أقوم بإحضار جميع ما يلزمها من مواد لتنمية موهبتها، إلى أن شاهد أعمالها وهي في الصف السادس أحد المهندسين فوصفها بالرائعة وشجعها على دخول معهد أدهم اسماعيل وهناك كانت انطلاقتها".

وتابعت "لم نشعر يوماً أن دعاء تعاني من إعاقة جسدية، فهي تمارس حياتها بشكل طبيعي، ترتب غرفتها وترتدي ملابسها وتساعدنا في أعمال المنزل كالجلي، ولا أنسى أن أذكر طعم السلطة التي تقوم بإعدادها عندما يحين موعد الطعام".

وقطع حديثي مع غصون بكاء ابن شقيقتها الأخرى (عام ونصف) مناديا "دعاااء"، فنظرت إليه وابتسمت قائلة "لقد اعتاد عليها كثيراً، فهو يحبها جداُ إذ أنها تقوم بإطعامه في كثير من الأحيان".

وكما قالت غصون لا يمكن لأي شخص أن ينظر لدعاء على أنها تعاني من إعاقة جسدية فتصميمها وإرادتها كانا أكبر من تلك الكلمة، فهي الوحيدة بين أخوتها التي تمكنت من إكمال تعليمها ودخول الجامعة حتى أنها كررت القول "أنا لا أعاني أية إعاقة، أمارس حياتي بشكل طبيعي ولا ينقصني أي شيء، وبقوة إرادتي استطعت دخول كلية الفنون".

وعندما سألت دعاء ما الذي تطمحين إليه أجابت بكل تواضع "دخولي لكلية الفنون كان شيئاً هاما جدا في حياتي، وأنا أحب أن أكمل دراستي وبعد ذلك سأختص بمجال الإعلان، فأنا أشعر أني أملك رؤية أستطيع تنفيذها في هذا المجال".

حين شاهدتها اليوم وهي تبدع بقدميها، وتعمل جاهدةً لإعطاء أفضل ما لديها، لم أجد فيها طالبة تتعلم في كلية الفنون بل شابة تستطيع أن تعلم الجميع فن الحياة.

نور عكة - سيريانيوز

* جدير ذكره أن دعاء تكرمت في جميع البلدان المذكورة، لكنها لم تكرم في سورية إلى الآن!!

2009-05-08ه

هناك تعليق واحد:

  1. يفتح باب بيت المدونين ذراعيه لكل الموهبين في :
    1/ القصة القصيرة
    2/ الشعر بشتى أنواعه
    3/ الرواية “رواية سنوية سنقوم بنشرها في الجريدة”
    4/ المقال الصحفي
    إذا وجدت في نفسك القدرة على المشاركة أرجوا التواصل معي على الميل التالي
    arabicsabah@yahoo.com
    شروط المسابقة
    1/ …………………………
    2/ ………………………..
    3/ …………………………
    لا يوجد شروط الشرط الوحيد هو العمل الجيد , والعمل المحترم البعيد عن الإسفاف
    المقالات أرجوا أن تكون تخص الانسان العربي , تاريخه , عاداته وتقاليده , مقالات إجتماعية وثقافية ….
    أرجوا التفاعل معنا في الجروب على العنوان التالي
    http://www.facebook.com/group.php?gid=45202724108#/group.php?gid=78080770039

    ردحذف